إطلاق الجدل من جديد حول فيلم «عصفور السطح» لفريد بوغدير

عرض مؤخرا فيلم «حلفاوين – عصفور سطح» على القناة التونسية الآولى، مما اذار جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي، وبهذه المناسبة اخترنا نشر ما كتبه السيد فتحي الخراط، الذي كان لمدة طويلة يعمل كرئيس لقسم السينما بوزارة الثقافة ثم مديرا عاما للمركز الوطني للسينما، زد على ذلك ان السيد فتحي الخراط قد مارس النقد السينمائي لمدة طويلة  في العديد من الصحف والمجلات التونسية.ـ

يقلم قتحي الخراط

عبّر القيادي السابق في حركة النهضة والعضو المجمّد في مجلس النواب المعلّقة أعماله عبد اللطيف المكّي عن استيائه من عرض فيلم «عصفور السطح» لفريد بوغدير ليلة الإسراء والمعراج. ورأى أنّ ذلك يفتقد للذوق السليم إذ تزامن مع ذكرى ذات طابع ديني.ـ

وفيلم «عصفور السطح» لفريد بوغدير، كما لعلكم تعرفون، يتناول بأسلوب سهل ممتنع استعادة ذكريات طفلية لصبيّ من حيّ الحلفاوين العريق عندما كان يصطحب أمّه للحمام حيث يمارس «التلصّص» علي النساء العاريات أثناء الاستحمام. لكنّ صاحبة الحمّام بمجرّد أنّ تنبهت إلى أنّ الطفل اشتدّ عوده طلبت من أمّه عدم اصطحابه مستقبلا ما مثّل ضربة قاصمة وحرمانا له من متعة «التلصّص» التي كان ينعم بها في حمّام النّساء.ـ
وقد أثار الفيلم أثناء عرضه جدلا واسعا إذ رأى فيه بعض المحافظين جرأة زائدة في اقتحام الكاميرا مكانا شديد الحميميّة مخصّصا حصريّا للنساء.ـ
لكنّ الإقبال الجماهيري كان شديدا على الفيلم بل مثّل أكبر نجاح جماهيري على الإطلاق لفيلم تونسي. كما فاز بجائزة التانيت الذهبي لايام قرطاج السينمائية سنة 1990. وقد ترأس لجنة التحكيم آنذاك المخرج الكبير يوسف شاهين ما أضفى على الجائزة مصداقية مضافة.ـ
وقد وصل الجدل حول الفيلم إلى مجلس النوّاب بمناسبة مناقشة ميزانية وزارة الثقافة ضمن قانون المالية لسنة 1991. وتحوّل النقاش الذي طال وامتدّ، إلى ما يشبة حصّة من حصص نوادي السينما عندما كانت لها «شنّة ورنّة». وقد تزعّم الشيخ عبد الرحمان خليف الحملة ضدّ الفيلم في حين دافع نوْاب مستنيرون عن الفيلم وقد رسخ في ذاكرتي تدخّل المرحوم الجيلاني الدبّوسي الذي تجرّأ وقال إنّ المعترضين على الفيلم لا يمانعون من مشاهدته في السرّ ليلعنوه في العلن.ـ
وقد تفطّن وزير الثقافة آنذاك السيد أحمد خالد وقد احتدم النقاش وحمي وطيسه أنّ بعض النواب الذين أبدوا رأيا في الفيلم ربّما لم يشاهدوه فاقترح على النواب أن ينظّم لهم عرضا خاصا في أحد قاعات المجلس. وقد تسنّي للنوّاب أن يشاهدوا الفيلم في مكان سيادي ينعمون فيه بالحصانة وبعيدا عن أعين المتطفلين. ويبدو أنّ العرض قد حيّد المحافظين الذين ربّما طاب لهم ممارسة «التلصّص» في مكان آمن وفي سياق المسؤولية البرلمانية.ـ
فهل يريد النائب العودة بنا إلى الوراء ثلاثة عقود ونيّف ؟¡ـ
وهل هو يخوض حملته الانتخابية قبل الأوان خصوصا وأنّ سبر الآراء الذي تجريه كلّ شهر سيڨما كونساي يُبرز أنّه يحظى بنسبة لا بأس بها من نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة.ـ
ما الغاية إذن من إطلاق الجدل من جديد حول الفيلم الذي نال تأشيرة الاستغلال منذ 32 سنة وشبع عرضا على شاشات السينما والقنوات التلفزية في عديد الدول كما عرضته القناة الوطنية في مناسبات لا تحصى بعد أن تولّى رقيبها إعمال المقصّ في النسخة التي أجازتها وزارة الثقافة فالتلفزة لها رقيبها الخصوصي الذي يمكن أن يحذف ربع فيلم حتى لا يخدش حياء العائلات المتحلقة حول شاشة التلفزة.ـ
ومن ذا الذي أجبر النائب المحترم على مشاهدة الفيلم ولِمَ لم يهرع إلى زرّ تغيير القنوات ليبحث عن قناة ذات هوى وهابي لعلّه يقع على أحد الأفلام التي عرضت ألف مرة في المناسبات الدينية مثل «واإسلاماه» او «فجر الإسلام» أو «الشيماء أخت الرسول» أو«رابعة العدوية» أو «الرسالة» ولِمَ لم يبحث في (يوتوب) عن بعض حلقات مسلسل «محمد رسول الله» لتكون سهرته منسجمة مع ذكرى الإسراء والمعراج.ـ
الأرجح، في تقديري، أن السيد عبد اللطيف المكي قد اكتشف الفيلم في تلك السهرة ولربّما لم يتسنّ له مواكبة عرضه في القاعات لأنه كان سجينا بعد إدانته بالاعتداء على زميل له بآلة حادّة بسبب خلاف ايديولوجي. ولا أستبعد أنْه شاهد الفيلم واستمرأه. وقد يكون انتابه إحساس بالإثم بسبب «تلصّصه» مع فريد بوغدير على أرداف ونهود النساء في جوّ ناعم يغلّفه البخار المتصاعد في بيت السخون. وأخمّن أنّه أراد، في ردّ فعل لا شعوري على اقترافه فاحشة «التلصّص» على نساء عاريات، أن يعبّر عن استيائه مما اقترفته التلفزة الوطنية بعرضها فيلم «عصفور السطح» في ذكرى معراج النبي عليه الصلاة والسلام الى السماء على صهوة البراق وهبوطه في بيت المقدس والمسجد الأقصى في ما يشبه فيلم خيال علمي قبل أختراع السينما بثلاثة عشر قرنا.ـ
«عصفور السطح» سجّل اسمه بأحرف من ذهب في مدوّنة السينما التونسية وأصبح يُعدّ من كلاسيكياتها تماما كـ«خليفة لڨرع» لحمّودة بن حليمة و«سجنان» لعبد اللطيف بن عمْار و«ريح السدّ» للنوري بوزيد و«يا سلطان المدينة» للمنصف ذويب و«صمت القصور» لمفيدة التلاتلي.ـ

فتحي الخراط

Soyez le premier à commenter

Poster un Commentaire